كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وذكره من حديث معمر عن الزهري بهذا الإسناد نحو حديث يونس، قال:
فأنزل الله تعالى: {يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} 74: 1 إلى {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} 74: 5- قبل أن تفرض الصلاة- وهي الأوثان، قال فخشيت منه كما قال عقيل. وذكر البخاري في كتاب التعبير حديث عقيل ولفظه: أول ما بدئ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم بنحو حديث يونس وقال فيه: حتى أتت به ورقة ابن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي وقال: فقالت له خديجة: أي ابن عم، الحديث إلى قوله نصرا مؤزرا، وقال بعده: ثم لم ينشب ورقة أن توفى وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي صلّى الله عليه وسلّم فيما بلغنا حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رءوس شواهق الجبال، فكلما أو في بذروة جبل لكي يلقى منه بنفسه تبدي له جبريل فقال: يا محمد إنك رسول الله حقا، فيسكن لذلك جأشه، وتقر نفسه فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أو في بذروة جبل تبدي له جبريل فقال له مثل ذلك.
ترجم عليه أول ما بدئ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرؤيا الصالحة.
وذكر في أول حديث عقيل ولفظه: أول ما بدئ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الرؤيا الصالحة في النوم وقال فيه: يرجف فؤاده، وقال: وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وقال: فقالت له خديجة:
يا ابن عم، وقال: هو الناموس الّذي نزل على موسى، وقال: ليتني أكون حيا إذا يخرجك قومك، وقال: رجل قط بما جئت به إلا عودي، قال في التعبير وقال بعد قوله نصرا مؤزرا: ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي.
قال ابن شهاب: وأخبرني سلمة بن عبد الرحمن أن جابر بن عبد الله الأنصاري قال وهو يحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه: بينا أمشي إلا سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري فإذا الملك الّذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فرعبت منه، فرجعت فقلت: «زملوني زملوني» فأنزل الله عز وجل: {يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}، فحمي الوحي وتتابع.
تابعه عبد الله بن يونس وأبو صالح، وتابعه هلال بن ردّاد عن الزهري. وقال يونس ومعمر: بوادره. وذكر في التفسير من حديث معمر عن الزهري: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن جابر سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو يحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه: «فبينا أنا أمشي إذا سمعت صوتا من السماء فرفعت رأسي إليه، فإذا الملك الّذي جاءني بحراء على كرسي بين السماء والأرض فجثثت منه رعبا، فرجعت فقلت: زملوني زملوني، فزملوني، فأنزل الله تعالى: {يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ} ، إلى {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}» قبل أن تفرض الصلاة، وهي الأوثان.
وذكر فيه أيضا حديث عقيل عن ابن شهاب قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن قال: أخبرني جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحدث عن فترة الوحي، قال: «فبينا أنا أمشي سمعت تصويتا من السماء، فرفعت بصري قبل السماء فإذا الملك الّذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض، فجثثت منه حتى هويت إلى الأرض، فجئت أهلي فقلت: زملوني زملوني، فزملوني، فأنزل الله: {يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} إلى قوله: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} ، قال أبو سلمة: والرجز: الأوثان، ثم حمي الوحي وتتابع.
وخرج الحافظ أبو نعيم من حديث محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا منجاب بن الحارث، حدثنا علي بن مسهر عن الشيبانيّ عن عبد الله بن شداد قال: «نزل جبريل عليه السّلام على النبي صلّى الله عليه وسلّم فغمه ثم قال له: اقرأ، قال ما أقرأ؟ فغمه ثم قال له: اقرأ، قال: ما أقرأ، فغمه ثم قال له: اقرأ، قال: ما أقرأ، قال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} إلى {ما لَمْ يَعْلَمْ} ، فأتى خديجة رضي الله عنها فأخبرها بالذي رأى، فأتت ورقة ابن نوفل ابن عمها فأخبرته بالذي رأى فقال: هل رأى زوجك صاحبه في خضر؟ فقالت: نعم، فقال: إن زوجك نبي وسيصيبه في أمته بلاء».
وخرج من حديث منجاب قال: حدثنا على بن مسهر عن هشام بن عروة عن أبيه قال: «لما أنزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لخديجة: لقد خشيت أن أكون كاهنا أو مجنونا، قالت: لا والله لا يفعل الله ذلك بك، إنك لتصدق الحديث، وتصل الرحم، وتؤدي الأمانة، والله لا يفعل ذلك بك، فأتت ابن عمها ورقة ابن نوفل وكانت تضيفه إليه، فأخبرته بالذي رأى، فقال: لئن كنت صدقتني إنه ليأتيه الناموس الأكبر، ناموس عيسى الّذي لا تعلّمه بنو إسرائيل أبناءهم، ولئن نطق وأنا حيّ لأبلين الله فيه بلاء حسنا»
، قال أبو نعيم: هكذا رواه علي بن مسهر وأصحاب هشام مرسلا، ورواه يعقوب بن محمد الزهري عن عبد الله بن محمد ابن يحيى بن عروة عن هشام متصلا، وفيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال ورقة لما ذكرت له خديجة أنه ذكر لها جبريل: سبّوح سبّوح، وما لجبريل يذكر في هذه الأرض التي تعبد فيها الأوثان، جبريل أمين الله بينه وبين رسله، اذهبي به إلى المكان الّذي رأى فيه ما رأى، فإذا أتاه فتحسّرى فإن يكن من عند الله لا يراه، ففعلت، قالت: فلما تحسّرت تغيّب جبريل فلم يره، فرجعت فأخبرت ورقة فقال: إنه ليأتيه الناموس الأكبر الّذي لا يعلّمه بنو إسرائيل أبناءهم إلا بالثمن، ثم أقام ورقة ينتظر إظهار الدعوة، فقال في ذلك:
لججت وكنت في الذكرى ** لجوجا لهم طالما بعث النشيجا

ووصف من خديجة بعد وصف ** فقد طال انتظاري يا خديجا

ببطن المكتين على رجائي ** حديثك أن أرى منه خروجا

بما خبرتنا عن قول قسّ ** من الرهبان أكره أن يعوجا

بأن محمدا سيسود فينا ** ويخصم من يكون له حجيجا

ويظهر في البلاد ضياء نور ** يقيم به البرية أن تعوجا

فيلقى من يحاربه خسارا ** ويلقى من يسالمه فلوجا

فيا ليتني إذا ما كان ذاكم ** شهدت فكنت أولهم ولوجا

ولوجا في الّذي كرهت قريش ** ولو عجت بمكتها عجيجا

أرجى بالذي كرهوا جميعا إلى ** ذي العرش إن سفلوا عروجا

وإن يبقوا وأبق تكن أمور ** يضجّ الكافرون بها ضجيجا

وإن أهلك فكل فتى سيلقى ** من الأقدار متلفة خلوجا

هو الأصل للضوء، ومنه مبدؤه، وعنه يصدر، وفي التنزيل: {فَلَمَّا أَضاءتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ} [البقرة: 17]، وفيه: {جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياء وَالْقَمَرَ نُورًا} 10: 5 [الآية 5 يونس]، لأن نور القمر لا ينتشر عنه من الضياء ما ينتشر من الشمس، ولاسيما طرفي الشهر، وفي الصحيح: «الصلاة نور، والصبر ضياء»، وذلك أن الصلاة هي عمود الإسلام، وهي ذكر وقرآن، وهي تنهى عن الفحشاء والمنكر، فالصبر عن المنكرات، والصبر على الطاعات هو: الضياء الصادر عن هذا النور الّذي هو القرآن والذكر، وفي أسماء الباري سبحانه {الله نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} 24: 35 [الآية 35 النور]، ولا يجوز أن يكون الضياء من أسمائه سبحانه. الروض الأنف.
وخرج أيضا من حديث الحارث بن أبي أسامة قال: حدثنا داود بن المحبر، حدثنا حماد عن أبي عمران الجوى عن يزيد بن بابنوس عن عائشة رضي الله عنها «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نذر أن يعتكف شهرا هو وخديجة رضي الله عنها بحراء، فوافق ذلك شهر رمضان، فخرج النبي صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة فسمع: السلام عليك! قال: فظننتها فجأة الجن، فجئت مسرعا حتى جئت إلى خديجة فسجتني ثوبا فقالت: ما شأنك يا ابن عبد الله؟ فأخبرها فقالت له: أبشر يا ابن عبد الله، فإن السلام خير، قال: ثم خرجت مرة أخرى فإذا أنا بجبريل على الشمس، جناح له بالمشرق وجناح له بالمغرب، قال: فهلت منه فجئت مسرعا فإذا هو بيني وبين الباب، فكلمني حتى أنست به، ثم وعدني موعدا فجئت له فأبطأ عليّ فرأيت أن أرجع، فإذا أنا به وميكائيل بين السماء والأرض قد سدّ الأفق، فهبط جبريل وبقي ميكائيل بين السماء والأرض، فأخذني جبريل فاستلقاني لحلاوة القفا، ثم شق عن قلبي فاستخرج ما شاء الله أن يستخرج، ثم غسله، في طست من ذهب بماء زمزم، ثم أعاده مكانه ثم لأمه ثم أكفأني كما يكفأ الأديم، ثم ضم في ظهري حتى وجدت مسّ الخاتم في قلبي، ثم قال لي: اقرأ، ولم أكن قرأت كتابا قط، فلم أدر ما أقرأ، ثم قال: اقرأ، فقلت ما أقرأ؟ قال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} 96: 1، حتى انتهى إلى خمس آيات منها فما نسيت شيئا بعد، ثم وزنني برجل فوزنته، ثم وزنني بآخر فوزنته حتى وزنت بمائة فقال ميكائيل: تبعته أمته ورب الكعبة، فجعلت لا يلقاني حجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول الله حتى دخلت على خديجة فقالت: السلام عليك يا رسول الله».
وفي رواية يونس بن حبيب عن داود: فقال ميكائيل: تبعته أمته، وقال: كما يكفأ الإناء، وقال: أخذ بحلقي حتى أجهشت بالكباء ثم قال لي: اقرأ.. والباقي مثله سواء. وخرج من حديث إسماعيل بن أبي حكيم عن عمر بن عبد العزيز عن أبي بكر ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أم سلمة عن خديجة رضي الله عنها أنها قالت: «قلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا ابن عم، أتستطيع إذا جاءك هذا الّذي يأتيك أن تخبرني به؟ قال: نعم، قالت خديجة: فجاءه جبريل عليه السّلام ذات يوم وأنا عنده فقال: يا خديجة، هذا صاحبي الّذي يأتيني قد جاء، فقلت له: قم فاجلس على فخذي، فجلس عليهما فقلت: هل تراه؟ قال: نعم، فقلت: تحول فاجلس على فخذي اليسرى فجلس فقلت: هل تراه؟ قال: نعم، قالت خديجة فتحسرت فطرحت خماري فقلت: هل تراه؟ قال: لا، فقلت: هذا والله ملك كريم، والله ما هذا شيطان»، قالت خديجة فقلت لورقة ابن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي: ذلك مما أخبرني محمد صلّى الله عليه وسلّم، فقال ورقة:
إن يك حقا يا خديجة فاعلمي ** حديثك إيّانا فأحمد مرسل

وجبريل يأتيه وميكال معهما ** من الله وحي بشرح الصدر منزّل

يفوز به من فاز فيها بتوبة ** ويشقى به العاني الغويّ المضلّل

فريقان منهم فرقة في جنانه ** وأخرى بأجواز الجحيم تغلّل

إذا ما دعوا بالويل فيها تتابعت ** مقامع في هاماتهم ثم تشعل

فسبحان من تهوى الرياح بأمره ** ومن هو في الأيام ما شاء يفعل

ومن عرشه فوق السموات كلها ** وأحكامه في خلقه لا تبدّل

وقال ورقة أيضا:
يا للرجال وصرف الدّهر والقدر ** وما لشيء قضاه الله من غير

حتى خديجة تدعوني لأخبرها ** وما لنا بخفي الغيب من خبر

فكان ما سألت عنه لأخبرها ** أمرا أراه سيأتي الناس عن أخر

فخبرتني بأمر قد سمعت به فيما ** مضى من قديم الدهر والعصر

بأن أحمد يأتيه فيخبره ** جبريل إنك مبعوث إلى البشر

فقلت على الّذي ترجين ينجزه ** لك الإله فرجّي الخير وانتظري

وأرسليه إلينا كي نسائله عن أمر ** ما يري في النوم والسهر

فقال خير أتانا منطقا عجبا ** يقفّ منه أعالي الجلد والشّعر

إني رأيت أمين الله واجهني في ** صورة أكملت في أهيب الصّور

ثم استمر فكاد الخوف يذعرني ** مما يسلم من حولي من الشجر

فقلت ظني وما أدرى سيصدقني ** أن سوف يبعث يتلو منزل السّور

وسوف أوليك إن أعلنت دعوتهم ** مني الجهاد بلا من ولا كدر

وخرج من حديث فليح بن إسماعيل عن عبد الرحمن بن عبد العزيز الإماميّ عن يزيد بن رومان، والزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان جالسا مع خديجة رضي الله عنها يوما من الأيام إذ رأى شخصا بين السماء والأرض فقالت خديجة: لا يزول، أدن مني، فدنا منها، فقالت له: أتراه؟ قال: نعم قالت: أدخل يدك تحت الدرع، ففعل ذلك، فقالت: أتراه؟ قال: لا، قد أعرض عني، قالت: أبشر فإنه ملك كريم، لو كان شيطانا ما استحى. فبينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما من الأيام إذا رأى شخصا بين السماء والأرض بأجياد إذ بدا له جبريل فسلم عليه، وبسط بساطا كريما مكللا بالياقوت والزبرجد، ثم بحث في الأرض فنبع الماء، فعلّم جبريل رسول الله كيف يتوضأ، فتوضأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم صلّى ركعتين نحو الكعبة مستقبل الركن الأسود، وبشره بنبوته، ونزل عليه {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} 96: 1 ثم انصرف منقلبا فلم يمر على شجر ولا حجر إلا وهو يسلم عليه يقول: سلام عليك يا رسول الله، فجاء إلى خديجة فقال: يا خديجة! أشعرت أن الّذي كنت أراه قد بدا لي وبسط لي بساطا كريما وبحث من الأرض فنبع الماء فعلمني الوضوء، فتوضأت وصليت ركعتين، فقالت: أرني كيف أراك؟ فأراها النبي صلّى الله عليه وسلّم وتوضأت ثم صلت معه وقالت: أشهد أنك رسول الله. ولأبي نعيم من حديث حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لخديجة: إني أسمع صوتا وأرى ضوءا، وإني أخشى أن يكون خبل، فقالت: لم يكن الله ليفعل بك ذلك يا ابن عبد الله، ثم أتت ورقة ابن نوفل فذكرت ذلك له فقال: إن يك صادقا إن هذا ناموس مثل ناموس موسى، وإن يبعث وأنا حي فسأعزره وأنصره وأعينه.
وله من حديث إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق عن وهب بن كيسان مولى آل الزبير قال: سمعت عبد الله بن الزبير وهو يقول لعبيد بن عمير بن قتادة الليثي حديث أخبرنا عبيد كيف كان بدء ما ابتدأ الله به رسوله من النبوة حين جاءه جبريل؟ فقال عبيد: وأنا حاضر يحدث عبد الله بن الزبير وهو من عنده من الناس قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يجاور في حراء من كل سنة شهرا، وكان ذلك مما تحنثت به قريش- والتحنث: التبرر- فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يجاور ذلك الشهر في كل سنة يطعم من جاءه من المساكين، فإذا قضى جواره من ذلك الشهر كان أول ما ابتدأ به إذا انصرف من جواره الكعبة قبل أن يدخل بيته فيطوف بها سبعا أو ما شاء الله من ذلك، ثم يرجع إلى بيته حتى إذا كان الشهر الّذي أراد الله به ما أراد من كرامته من السنة التي بعث فيها، وذلك الشهر شهر رمضان، خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى حراء كما كان يخرج لجواره معه أهله، حتى كانت الليلة التي أكرمه الله فيها برسالته، ورحم العباد بها، جاءه جبريل من الله تعالى.
وقال إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجاءني وأنا نائم بنمط من ديباج فيه كتاب، فقال: اقرأ، قلت: ما أقرأ قال: فغتني حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أقرأ، فغتني حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أقرأ، قال: فغتني حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ماذا أقرأ؟ ما أقول ذلك إلا لأفتدي منه أن يعود لي بمثل ما صنع في، قال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} إلى قوله: {ما لَمْ يَعْلَمْ} قال: فقرأتها، ثم انتهى فانصرف عني وهببت من نومي فكأنما كتبت في قلبي كتابا، قال: ولم يكن من خلق الله تعالى أحد أبغض إليّ من شاعر أو مجنون، كنت لا أطيق أن انظر إليهما، قال: قلت:
إن الأبعد يعني لشاعر أو مجنون لا يتحدث بهذا قريش عني أبدا إلا عمدت إلى خالق من الجبل، ولأطرحت نفسي منه فلأقتلنها ولأستريحن، قال: فخرجت أريد ذلك حتى إذا كنت في وسط من الجبل سمعت صوتا من السماء يقول: يا محمد! أنت رسول الله وأنا جبريل، قال: فرفعت رأسي إلى السماء انظر، فإذا جبريل في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء يقول: يا محمد! أنت رسول الله وأنا جبريل، قال: فوقفت انظر إليه فشغلني ذلك عما أردت ما أتقدم ولا أتأخر، وجعلت أصرف وجهي في آفاق السماء ولا انظر في ناحية منها إلا رأيته كذلك فما زلت واقفا ما أتقدم أمامي ولا أرجع ورائي حتى بعثت خديجة في رسلها في طلبي، فبلغوا مكة ورجعوا إليها وأنا واقف في مكان ذلك ثم انصرف عني، فانصرفت راجعا إلى أهلي حتى أتيت خديجة فجلست إلى فخذها مضيفا إليها فقالت: يا أبا القاسم! أين كنت: فو الله لقد بعثت رسلي في طلبك حتى بلغوا مكة ورجعوا إليّ، قال: قلت لها: إن الأبعد لشاعر مجنون، قال: فقالت: أعيذك باللَّه يا أبا القاسم، ما كان الله تعالى ليصنع ذلك بك مع صدق حديثك وحسن خلقك وعظم أمانتك وصلتك رحمك، وما ذاك يا ابن عم؟ لقد رأيت شيئا؟ قال: قلت نعم، ثم حدثتها الّذي رأيت فقالت: أبشر يا ابن العم واثبت، فو الّذي نفس خديجة بيده أن تكون نبي هذه الأمة، قال: ثم قامت فجمعت عليها ثيابها ثم انطلقت إلى ورقة ابن نوفل بن أسد وهو ابن عمها- وكان ورقة قد تنصر وقرأ الكتب وسمع من أهل التوراة وأهل الإنجيل- فأخبرته بما أخبرها به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه رأى وسمع فقال ورقة: قدوس قدوس، والّذي نفس ورقة بيده لئن كنت صدقتني يا خديجة، لقد جاءه الناموس الأكبر الّذي يأتي به موسى، وإنه لنبي هذه الأمة فقولي له فليثبت، فرجعت خديجة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأخبرته بقول ورقة وسهّل عليه ذلك بعض ما كان فيه من الهم بما جاءه، فلما قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جواره وانصرف صنع فيه كما يصنع، بدأ بالكعبة فطاف بها فلقيه ورقة ابن نوفل وهو يطوف بالكعبة فقال: يا ابن أخي! أخبرني بما رأيت وسمعت، فأخبره فقال له ورقة: والّذي نفسي بيده إنك لنبي هذه الأمة، ولقد جاءك الناموس الأكبر الّذي جاء موسى، ولتكذبنّه ولتؤذينّه ولتخرجنّه ولتقاتلنّه ولئن أنا أدركت ذلك لأنصرن الله نصرا يعلمه، ثم أدنى رأسه منه فقبّل يافوخه، ثم انصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى منزله. وقد زاده ذلك من قول ورقة ثباتا، وخفف عنه بعض ما كان فيه من الهم.